الشعر والبقاء !


في عالم يذهب صوب الغبار الذي ينفثه السحرة المدججون بالنجوم
الذرية التي تبرق فوق أكتافهم ! تتقافز الكوابيس في أفقه القاصر ، وتمد الشياطين أذرعها الكيميائية إلى نوافذنا الهشة ، نوافذنا المعرضة دائماً إلى الريبة والفزع والمجازر !
هاهي عرباتهم تسحق عظام الأزهار البرية !
صواريخهم تتوجه إلى العصافير في أعشاشها !
أنهم يزحفون على الحياة !
كيف الملاذ من أحلامهم البيولوجية ؟
بل هل نستطيع أن نحافظ على ظل صغير ؟
ماذا لو جربنا الشعر ؟ فهو قد يكون قادراً على تجميع الفراشات !
قد يكفي الشعر برعم واحد ليعيد للحقل ملامحه !
كيف تكون النجمة أجمل ؟ على كتف عسكري ! أم في قصيدة شاعر ؟
العسكريون يذهبون إلى الحرب !
الشعراء ينحازون إلى الحب !
الشعر صلاتنا التي تمحو كراهيتهم !
ماذا لو قرأ كل واحد منا قصيدة لربما تنمو في قلبه حمامة بيضاء !
 
* * *

لماذا نسكت ؟
انه كوكبنا الرائع ، سفينتنا التي تدور بنا حول الشمس !
بدأ يفقد نضارته وعنفوانه
يا له من دمار قادم!
هل ستموت أيها الكوكب الصغير تحت مخالبهم ؟
غابات تزهق ؟
طيور تندحر باتجاه الفناء !
أعشاب ، وزهور، وشجيرات فضلت الانسحاب من أمام هذا البطش !
يالها من ضوضاء ، تكنس الحب !
لكننا لن نسكت !
سنكتب الشعر على جذور المساء !
سنكتب الشعر برغوة الصباح !
عندما نقرأ الشعر بهمس سترفع الأزهار أكتافها !
بل سيمتد البحر إلى ثياب الأمل !
هم يقطعون الغابات !
 ونحن نزرع الأمل !
هم يثقبون الفضاء
وبالشعر نملأه
هيا أيها الأطفال
إلى أرجوحة الشعر
إلى مزامير الحب
بالشعر سنضمد الحياة !
بل سنطارد زفير الموت !
 
* * *

فيما تستمر الفصول في تجديد رئتها ، ويتجه الضوء ناحية الأمام !
نجلس نحن في كوخ العزلة والمرض!
ننظّر للنوم !
نقدس الموت !
نخطّئ المطر !
نحمل بأيدينا هرا وات ونسميها مشاعل !
أي قبر هذا الذي ألفناه !
كل لحظة يزداد نسياننا للجمال والعدل والخير !
يا له من هدم بشع !
نشتت أطفالنا في أحراش الضياع !
ما المرأة ؟
ما الحب ؟
ما المستقبل ؟
لا نعرف
نعرف الموت في الشوارع !
نعرف الحرب في المنزل !
الكراهية في الاختلاف !
نقف ضد الشعر
لأنه أتون الحرية .
فكم هو جميل لو علمنا أطفالنا حب الشعر !
نضع كتاباً للشعر في حقائبهم المدرسية
نضع كتاباً للشعر في السيارة !
نضع قصائد على طاولات المطاعم والمقاهي !
فلربما يزداد المحبون !
 يا ترى ماذا لو قرأنا كل يوم قصيدة
هل سنستدير إلى الشمس ؟
 
* * *

أيها الشعر الذي يتكثف على نافذة حجرتي !
أنا لا أستدعيك ، وإنما أنبش ذاتي ، جسدي ، روحي ، علاقاتي ، لألاقيك !
أنك تنبع من أمشاج التكوين فتذيبني في لهيب الحرية المستعر !
متماهياً معك على هيئة ضوء !
الطبيعة تنمو وتتطور بالحالة الشعرية ، بالمخيال الشعري
بالصفاء والاستشراف ، بالتنوع والتعدد اللذين يصدح بهما الشعر !
ونحن أطفال ينبعث الشعر منا بتوهج – فلا شيء يقف في وجه مخيالنا ومغامراتنا ، وحبنا ، وتسامحنا !
الطفل شاعر حقيقي من الداخل ، ولكن كلما كبر وأخضع لقوانين الضبط يغفو الشعر ويخمد قي قلبه ، بل يضمر ، ولهذا شيئاً فشيئاً ينسى الفرح !
تري !
هل نقدر أن نبقى أطفالاً ، أعني نترك الحرية تسبح في أعماقنا وتنمو غاباتها ، نترك اللعب يتفرع ، نغامر ، نختار أصدقاءنا بدون ريبة ، أو هدف ، نحافظ على أجنحة مخيلتنا !
نعم يمكن !
بالشعر وحده نجدد طفولتنا !
بالشعر وحده نصدّ الخرف !
 

أحمد العجمي
اليوم العالمي للشعر
21 مارس 2002


Garden of Poetry